الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فهو أبو المظفر يوسف بن أيوب بن شاذي، الملقب بالملك الناصر صلاح الدين.
اتفق
أهل التاريخ على أن أباه وأهله من "دوين"، وهي بلدة في آخر أذربيجان،
وأنهم أكراد، وكان شاذي -جد صلاح الدين- قد أخذ ولديه "أسد الدين شيركوه"،
و"نجم الدين أيوب"، وخرج بهما إلى بغداد، ومن هناك نزلوا تكريت.
مولده وشبابه:
ولد
صلاح الدين سنة 532هـ بقلعة تكريت في الليلة التي أخرجوا منها، فتشاءموا
به، وتطيروا منه، فقال بعضهم: لعل فيه الخير، وما تعلمون!
ولم يزل صلاح الدين تحت كنف أبيه حتى ترعرع، ولما ملك نور الدين محمود دمشق لازم نجم الدين أيوب خدمته، وكذلك ولده صلاح الدين.
وكانت
مخايل السعادة عليه لائحة، والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة، ونور الدين
يؤثره ويقدمه، ومنه تعلم صلاح الدين طرائق الخير، وفعل المعروف والاجتهاد
في أمور الجهاد.
ملك مصر والقضاء على الشيعة:
في
558هـ استنجد الوزير شاور العبيدي -"الفاطمي كما يسمى"- بنور الدين محمود
على خصمه الوزير "ضرغام بن عامر"، فأرسل نور الدين الأمير أسد الدين
شيركوه ومعه صلاح الدين إلى مصر، وكان صلاح الدين كارها لهذا الخروج.
ولما
أعادوا الأمر لشاور، ما لبث أن غدر بهم -كعادة الشيعة- واستنجد بالفرنجة
الصليبيين فصالح أسد الدين أهل مصر. ثم ما لبث الفرنجة أن أغاروا على مصر
مرة أخرى ناكثين العهود مع المصريين، فتوجه إليهم أسد الدين وصلاح الدين
فرجع الصليبيين على أعقابهم خاسرين، ثم قتل أسد الدين الوزير شاور؛ لغدره
وخيانته، ولأنه لا استقرار لمصر طالما هذا الوزير الخائن موجود فيها، وصار
أسد الدين وزير مصر إلى أن توفي سنة 564هـ فصار الأمر من بعده لصلاح الدين
فصار وزير مصر.
فبذل
الأموال وملك قلوب الرجال، وهانت عنده الدنيا، فملكها وشكر نعمة الله
عليه، وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمص بقميص الجد والاجتهاد استعداداً
لمواجهات مستمرة مع الصليبيين من جهة، وخزعبلات الدولة العبيدية "المسماة
بالفاطمية" من جهة أخرى.
ولما
علم الإفرنج استقرار الأمر لصلاح الدين أجمعوا وجمعوا جيوشهم، وقصدوا
"دمياط"، فنازلهم صلاح الدين فهزمهم هزيمة منكرة، وأُخذت منهم آلاتهم
الحربية، وقتل من رجالهم العدد الكبير.
وحاول الشيعة العبيديون -"الفاطميون كما يسمون"- اغتيال صلاح الدين أكثر من ثلاث مرات، لكن الله خذلهم ورد كيدهم.
واستقرت الأمور لصلاح الدين، ونقل أسرته ووالده إلى مصر، ليتم له السرور، وتكون قصته مشابهة لقصة يوسف الصديق -عليه الصلاة والسلام-.
ولم
يزل صلاح الدين وزيراً حتى مات العاضد آخر خلفاء العبيديين 565هـ، وبذلك
انتهت الدولة العبيدية، وبدأت دولة بني أيوب "الأيوبية"، ولـُقِب صلاح
الدين بالملك الناصر، وثبتت قدمه ورسخ ملكه.
قال ابن شداد: "لم يزل صلاح الدين على قدم بساط العدل، ونشر الإحسان، وإفاضة الإنعام على الناس".
جهاده ضد الصليبيين لاستعادة بيت المقدس:
بدأ
صلاح الدين جهاده سنة 568هـ فبدأ ببلاد "الكرك" و"الشوبك" ودارت بينه وبين
الفرنج معارك لم يظفر فيها بشيء، وفي أثناء ذلك قضى على حركات التمرد سواء
من الشيعة أو من المصريين كحركة رجل يدعى "الكنز".
ثم
إن صلاح الدين توجه إلى دمشق لما علم اختلاف أحوالها بعد وفاة نور الدين،
وتولية الصالح إسماعيل ولده، وكان صبياً غير قادر على أعباء الدولة،
فأخذها وفرح الدمشقيون به فرحاً شديداً، وبدأت البلاد الشامية وما حولها
تدين له بالولاء والطاعة، وبدأ صلاح الدين يوطد ملكه على هذه البلاد حتى
دانت له.
واقعة حطين واستعادة بيت المقدس:
ثم
كانت واقعة حطين يوم السبت 14 ربيع الآخر 583هـ، وكانت من أيام المسلمين
المجيدة، ونصر الله المسلمين نصراً مؤزراً، وكان الصليبيون 63 ألفاً أُسر
منهم 30 ألفاً وقتل 30 ألفاً، وفر ثلاثة آلاف مثخنين بالجراح وغنم
المسلمون مغانم عظيمة حتى لقد حكى من عاصرها أنه شاهد رجلاً معه نيف
وثلاثين أسيراً، وباع أحدُهم صليبياً بنعل يلبسه.
وقبض
صلاح الدين على "أرناط" صاحب الكرك، وقد قتل بعض الحجاج المسلمين، واستهزأ
بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فأحضره أمامه فقال له: "ها أنا أنتصر لمحمد
-صلى الله عليه وسلم- منك" ثم عرض عليه الإسلام فأبى، فضرب عنقه.
ثم
رحل إلى عكا وقاتل الصليبيين يوم الخميس مستهل جمادى الأولى 583هـ، فأخذها
واستنقذ من كان بها من أسارى المسلمين، وتفرق جيشه في بلاد الساحل يأخذون
الحصون والقلاع، والأماكن المنيعة، ثم أخذ "صيدا" ثم "بيروت" في يوم
الخميس التاسع والعشرين من شهر جمادى الأولى..
منقول