:éq: :=^m:
[size=24][size=16]....لطالما تساءلت في نفسي كلما قرأت سيرة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) . عن مكانته في نفسي ومدى حبي له .... فقد قال رسول الله : لا يتم إيمان أحدكم حتى أصبح أحب إليه من ماله وأهله وولده ونفسه التي بين جنبيه ...
ولطالما ذرفت عيني وتحشرج صدري واغتم قلبي وأنا أقرأ وأعيد غزوة أحد أو أحداث وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ... لكن وفي كل مرة كان يعود السؤال ليلح في ذهني أين أنا من حبي لرسول الله ... هذا الحب الذي لا يتم إيماني إلا به .... وهل من المعقول أن أحب رجلا ما رأته عيناي وما سمعت كلامه أذناي وما تكلمت معه وما جالسته ؟؟؟ ... وهل هذه المشاعر في قلبي حقيقة أم وهم ... وكيف أستطيع أن أجاري في مشاعري هؤلاء الرجال الذين عايشوه ورأوه وارتووا من نهله الصافي .. واستناروا من نوره الجلي ... وسمعوا منه آيات الذكر من الكتاب وهي تتنزل طرية جديدة ..
أين أنا من أبي بكر وعمر ... وهل كان لي أن أبلغ عشر أو معشار ما بلغوا لو كنت مع رسول الله أو تعرضت لموقف محنة يظهر حبي لرسول الله ويختبره ؟؟؟ وكلما ألحت في خاطري هذه التساؤلات عادت الصور تتلاحق تترى في ذهني ... لهؤلاء الرجال والنساء من الرعيل الأول ... الذين ما شابههم أحد في عملهم وإيمانهم ...
عادت لذهني صورة ذلك المقدام .. الرجل الذي رأى كفار مكة يتهجمون على رسول الله فاندفع يقاتلهم وما معه سلاح إلا جسده فضربوه حتى فقد وعيه ... وجعل أبو جهل يضرب وجهه بنعل مخصوف حتى ظن الناس أنه مات ... فاحتمله أهله وهم يتتهددون بني مخزوم ... لكنه لم يمت .. بل عاش وعاش ... وكان أول كلمة نطق بها بعد أن استرد رشده : ماذا فعل رسول الله ...
ثم موقف الرجل نفسه في بدر ... وقد علم الجمع أن أخطر موضع في المعركة سيكون بقرب رسول الله ... وتردد الصناديد في اتخاذ مركز الدفاع عند عريش نبيهم ... فتقدم ثابت الجأش قوي العزيمة .. مصلت السيف ليقول ... أنا أبقى عند رسول الله ... وويل لمن يقترب منه ....
ثم يمر في خاطري صورة ذلك البطل الهمام الذي يدافع عن نبيه في أحد حتى يرد عنه المشركين بعد أن لم يبقَ مع النبي غيره فقد مات تسعة من الأنصار قاموا للشهادة واحدا تلو الآخر ملبين نداء رسول الله عندما قال من يرد عنا القوم وأدعو الله أن يكون رفيقي في الجنة .. حتى إذا سبقوا للجنة قام هذا البطل ليقاتل وحده وقد رأى تسعة ماتوا قبله ذودا عن رسول الله ... فما قام إلا والموت نصب عينيه ... لكنه وبإيمانه يرد المشركين ... ويسقط سيفه فيرد سيوف المشركين بيده العارية حتى يكشفهم عن نبيه .. وتتحول يده إلى أشلاء وتبقى مشلولة شاهدة على بطولته طوال حياته ..
ثم يمر في ذهني منظر تلك البطلة المجاهدة .. التي وجدت الرجال انكشفوا عن نبيها فهبت كشعلة غضبى وبيدها سيف وخنجر ... ما ينظر رسول الله أمامه أو خلفه أو عن يمينه أو شماله إلا وجدها تقاتل وزوجها وإبنيها ... تحمي نبيها بروحها ... لتقول بعد المعركة .. إن كان رسول الله بخير فكل أمر بعده يهون ...
ثم تتوالى المشاهد إلى أن أصل للمشهد العظيم الذي تنشلع له القلوب وتتشقق من هوله النفوس وتشيب من هوله الولدان عندما يخرج من يصيح : مات رسول الله ... فيضج المسجد ... وتعلو الأصوات ... وتصرخ الحناجر ويفقد ذو الجأش منهم عقله ويصبح الحليم حيرانا ... فهذا ذو النورين كالطفل لا يدري أين يذهب ... وهذا الفاروق يصرخ لا لا لا لا لا نصدق .... و قد تاهوا كأطفال فقدوا أمهم ..
فيتقدم أحبهم لنبيه ... ليكون أكثرهم حبا لدينه وربه فيقول أكبر إعلان وفاة عرفه االتاريخ ... فيعلنه صارخا .. معيدا الحليم لرشده والحكيم لعقله ... والمحب لأساه وحزنه : ايها الناس ... من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ... وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم .. ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الصابرين ...
وما مر هذا المشهد في مخيلتي مرة إلا وأحسست بنفس المرارة التي أحسها الفاروق ... وبنفس الوجد الذي كسر قلب الصديق .. ونفس لوعة ذي النورين ... فاعتصر قلبي حتى كاد يتوقف وذرفت دموعي ... ويا أسفا ... يا أسفا على فقدك يا رسول الله ... يا من أتيت بالنور والخير ... أتموت وتتركنا .. ولمن تتركنا بعدك ... وما لنا من عزاء إلا الكتاب وسنتك عسى نجد فيها بعض ريحك ونور وجهك ...
أين أنا من حبك يا حبيبي ... أين أنا من الخير الذي أتيت به ... أين أنا من أصحابك ... وهل أبلغ منهم شيئا .. وما أجرؤ على أن أضع نفسي مع أحبابك .... هل أكون معك يا حبيبي ...وهل يغفر حبي لك ذنبي وتقصيري وإسرافي في أمري ...
وأعود لأقرأ السيرة .. وكأنني أقرأها لأول مرة فأجد حبي لنبيي يزداد مع كل كلمة ومع كل مشهد جديد أو متكرر ... ويصير شوقي لرؤيته أعظم وأسفي على أن الله كتب لي العيش بعده أشد وأعظم .... وأعيش ثانية قصة حبيبي يوما بيوم ولحظة بلحظة ... لأفرح بنصره في بدر ولأبكي لغزوة أحد ثم لينشلع قلبي مع الفاروق وذي النورين والصديق وأبي الحسنين وأنا أرى جسد أطهر البشر مسجى وقد اختار على صحبتنا خير صحبة ... صحبة الرفيق الأعلى
منقول