السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الاستقلال المادي للمرأة هل يعني استقلالها عن الرجل؟
طالما كنت أقول:" لو أحسن المسلمون الدعاية لشريعتهم لأسلم الكثير من أهل الأرض, و أن إسلام النساء سيكون أكثر و أكثر لو عرفن حقوق المرأة المسلمة من محب مشفق ناصح صادق".
في قضية النفقة, و استقلال المرأة المسلمة بمالها عن الرجل, مع وجوب النفقة عليه وحده من دونها-حتى و لو كانت غنية- مكسب عظيم للدعوة النسائية على وجه الخصوص , و لو ركزنا على الموضوع لحصلنا على مكاسب لا تقدر, و مسلمات و مسلمين يدينون بالولاء لهذا الشرع الحاني العظيم.
و تكمن المشكلة كما في كل مشكلاتنا مع الإسلام, أن غالبيتنا لا يطبق تعاليمه كما أنزلت, أو أنه يتناساها لأنها لا تتناسب مع مصلحته الشخصية, و ربما لا يعرفها أصلا لجهل عجيب منتشر, أو لأن تقاليد بالية -ما أنزل الله بها من سلطان- قد سيطرت على حياتنا و تصرفاتنا و حلت محل التعاليم النقية للشريعة الغراء, فديننا الحق بتعاليمه الناصعة, وجد لنا السعادة و الرضا و الهناء في الدنيا قبل الآخرة, و لكن هل من مجيب أو ملبي؟
ما زالت قضية النساء محل جدل, و ما زالت الكثيرات من نساء المسلمين يجهلن حقوقهن الرائعة التي منحهن الله تعالى إياها, أو يتنازلن عنها بمحض إرادتهن, فتترك الحقوق.. خجلا.. أو تضحية.. أو جهلا بها.. أو تنازلا تعلمنه من تربيتهن الخاطئة, و التي تنشأ فيها الفتاة على القبول و الرضا بكل ما تؤمر به, بعد أن يعلمونها جيدا أن المطالبة بالحقوق من صفات الفاجرات من النساء, و هذا خطأ كبير فلن يتنافى طلب الحق مع الأدب, بل الطلب بأسلوب راق هو مفتاح القصة و الحل بآن معا, فلم تكن الصحابيات أو أمهات المؤمنين جاهلات أو مستكينات, و لكنهن أصحاب رأي و همة و علم, و قد طالبن بحقوقهن مرارا, فما بال نساء هذا الجيل و أجيال قبله قد قبلن بنكران حقهن في الاستقلال المادي, و شوهت صورة الإسلام بهذا القبول.
عندما تضيع المرأة حقها فما الذي سيحصل؟
• كان مشهد زميلتنا التي تدرِّس في المدرسة الإعدادية القريبة من مدرستنا غريباً جدا, فقد حضرت إلى المدرسة في وقت الفسحة , و بينما كنت أؤدي دوري في المناوبة رأيتها تركض و طفلتها لتتعانقا بقوة وسط باحة المدرسة, ثم أجهشتا بالبكاء معا, كان أمراً يدعو للحيرة, و قد رفعت حرارة العناق حرارة قلوبنا و نثرت على الخد دمعات تساؤل و تأثر بالغ, ثم علمنا بعد أن جلست الأم معنا في الإدارة أنها في بيت أهلها منذ مدة, و أنها ترى أولادها بهذه الطريقة منذ ذلك اليوم الذي فارقتهم فيه.
كان السبب في تركها لمنزل زوجها هو شعورها بالظلم لأنها تقدم راتبها كل شهر لزوجها, بل قامت بعمل وكالة له ليقوم بتسلم الراتب بنفسه, ثم يعطيها مبلغا بسيطا جدا, و كان عليها أن تتدبر به شأنها و شأن أولادها الخمسة في شراء الملابس, و الأحذية, و الأدوات, و الألبسة المدرسية, و كل ما يحتاجونه, بينما يتكفل هو بالطعام و الشراب, و ما إلى ذلك من أمور منزلية أخرى, كدفع فواتير الهاتف و الكهرباء و الماء, و قبلت زميلتي بهذا المنطق و عاشت لسنوات تتدبر أمرها, و تقوم بخياطة الملابس لأولادها بنفسها, و تحصل على الأقمشة من ملابس الكبار منهم, ثم تجهد في البحث عن حذاء يدوم طويلا ليلبسه الأولاد جميعا عندما يكون مناسبا لمقاسات أقدامهم, و كانت تعلِّم أولادها العناية بدفاترهم و أدواتهم و الاستمرار في استخدامها لسنوات عدة .. في الحقيقة لقد كافحت و جهدت طويلا.
و فجر زوجها البركان عندما اشترى المنزل أولا, و قام بتسجيله باسمه في دوائر الدولة, ثم اشترى دكانا و سجلها باسمه أيضا, فكانت الطامة.
و يبدو أنها جربت معه كل وسيلة حتى ضاق بها الحال, فاستنجدت بمكانتها في المنزل و رأت أن تعلمه درسا عندما تغيب من حياته و حياة الأولاد, و قبلت لنفسها أن تنالها الألسن بالغيبة و الشماتة و السخرية, لأن النساء تستهويهن مثل تلك القصص, و تملأ فراغا كبيرا في أحاديثهن الطويلة.
في نهاية القصة, تدخل الحكماء من الطرفين و فهم الزوج أن مال زوجته ليس ملكية خاصة له, و أن الشرع و الدين الإسلامي فرق بوضوح بين مالها و ماله, و ندم لكل الظلم الذي نالته منه زوجته المجدة المجتهدة, و سجل الدكان باسمها, ولم يعد يمد يده نحو راتبها, و بقيت هي تكسو أولادها و نفسها و تجلب له كل ما هو مميز و متقن من ملابس و مستلزمات أخرى, و بقي ينفق على منزله كما كان بل و زاد دخله من دكانه كما كنا نرى من علامات يحكيها مظهر جميع أفراد الأسرة .
• و في قصة أخرى سمعتها من صاحبتها قالت :
- كنت أقدم له راتبي طوال عمرنا معا و قبل تقاعده بسنوات قليلة فوجئت بعلاقة حب ربطته بسكرتيرته الشابة الحسناء, كنت غبية حقا, لقد ظننت أننا شخص واحد و قد كنت مخطئة.
في هذه القصة عاد الزوج إلى رشده بعد حين, و بعد مشكلات و فضائح , و لكنها لم تعد كما كانت, فقد صارت تقبض مرتبها بنفسها و تقتطع قسما منه لنفسها , ثم تشتري بما تبقى ما يلزم للمنزل من أشياء لا يستطيعها مورده.
• و زميلة أخرى حضرت إلى مدرستنا تحت مسمى معاونة أمينة مكتبة, و لم تكن المكتبة في تلك المدرسة تتعدى خزانة واحدة جل ما فيها لا يستحق ثمن الورق الذي كتب عليه, و لم يكن لها عمل سوى الجلوس بصمت و شرود مذهلين طوال وقت الدوام, و في أحد الأيام مازحتها إحدى المعلمات بكلمة ما عدت أذكرها فإذا بها تنفجر في وجهها بكلام أثبت لنا وجود خلل في توازنها العقلي, لقد بدت لنا مريضة عقلية, و فضل الجميع تجاهلها و الابتعاد عنها, و لكن الأخبار وصلت إلينا وحدها كما يطير كل خبر في هذا الكون نحو طالبيه , و علمنا أنها كانت تجمع مع زوجها المال و تضع القرش فوق القرش -كما يقال- و تقتصد بشدة, و قد باعت ذهبها عندما وجدت منزلا بسعر رخيص, و جعلت ثمنه مع المبلغ الذي جمعته من اقتصادها الطويل و اشترته, ثم قام الزوج بتسجيله باسمه في دوائر الدولة و لم تعترض وقتها أبدا فلم يكن أمر الاسم يعني لها شيئا و كانت سعيدة بإنجازها و راحت تحلم بما ستشتريه بالمبلغ الذي ستحصل عليه من إيجار ذلك المنزل الجديد, و رسمت طويلا لحياة مترفة مرفهة ستحياها مع زوجها و خططت لشراء ملابس تفتنه بها بعد أن ملَّ من ملابسها الرثة, و لم تحصل على قرش واحد من إيجار المنزل الجديد, و لم يؤجَر المنزل أبداً, فقد علمت صاحبتنا أن زوجها قام بتسجيله باسم رفيقة عمرها و زميلتها في المدرسة عندما تزوج منها سرا , و كان حصولها على المنزل هو شرط قبولها للزواج منه, و هو الرجل المتزوج متوسط الحال, و كان لها ما أرادت.
و قد طلبت زميلتنا الطلاق فقبل غير نادم, و لم تحصل على شيئ مما جنته بتعبها , فالقانون لا يعيد لمغفل حقا كما نعرف و تعرفون, فعادت لمنزل أهلها منكسرة دامعة ثم بقيت أياما لا تحدث أحدا, و أصيبت بعدها بلوثة عقلية, و ظهر هذا عليها فكان أن أبعدت عن التدريس و قدمت لها وظيفة كيفما اتفق.
• كل تلك القصص و غيرها كثير علمتني أن لا أخالف شرع الله في أمر الاستقلال المادي, و أن أنفق عندما أنفق على احتياجات منزلي و أنا أدرك تماما أنني أقدم صدقة لوجه الله تعالى, و ربما ما هو أعظم في أجره من الصدقة العادية فهو أجر القربى أيضا, و أن لا أنتظر من زوجي تقديرا أو امتنانا, و إن كنت أراه الآن في عينيه فلا ينبغي أن أعلق سعادتي بدوامه فالبشر بشر مهما حسنت طبائعهم, و علينا أن نعلق همتنا بالله وحده فلا تقعدنا خيانة أو يذهب بعقولنا نكران.
الذي أعلمه و يهمني من أمر المال هو :
- أن تعلم المرأة و الرجل أن مالها هو حق لها وحدها و لا ينبغي لأحد أن يجبرها على تقديمه دون رضاها و قناعتها فهي ليست آثمة إن منعته .
- و أن تعلم و يعلم أن الإثم سيكون من نصيب المعتد على مال النساء أيا كانت تلك المرأة بالنسبة له .
- أن تستخدم المرأة مالها لإصلاح شأن عائلتها و بيتها عندما تجد لذلك ضرورة, و أن تنوي بها وجه الله أولا و أخرا, و لا تنتظر من الرجل شكرا أو امتنانا لأنها ستصاب حتما بالكآبة لو لم يفعل, أو لو أنكر لها هذا الحق و لو لمرة واحدة, و أن لا تلتفت لنكرانه فهي قد وهبت مالها لله تعالى فقط.
- أن تعلم أن لها بالنفقة أجر الصدقة مضافا إليها صلة ذوي القربى و أن الصدقة لا تنقص من المال كما ورد في الحديث النبوي الشريف.
عندما تضع المرأة هذه الأمور الأربعة أمام عينيها سيهون عليها الإنفاق, و لكن بشرط عدم المن, و عدم تعمد إهانة الرجل و تحطيم كرامته, و ستعرف أي أنثى كيف تفعل هذا بفطرتها.
في بيتنا كانت والدتي تشتري الكثير من لوازم المنزل دون علم والدي, و كانت مثالا رائعا لنا في التضحية بالمال, و لم أجد منها إلا كل حب و تقدير لزوجها, و لم نشعر يوما أن لكل منهما مورد يختلف عن الأخر , لقد كانت الأمور تجري بانسيابية .
و قد تعلمت منها هذا و تعلمت أخواتي, و مضت بنا الحياة بهناء, فلم نسمع بمشكلة مادية بين إحدانا و زوجها, في الحقيقة لقد كان أمر المال في نهاية كل اهتماماتنا, فما دامت المرأة سعيدة تحفظ لها كرامتها و متطلباتها فلن يشغلها أمر المال , و ما دامت تعيش لله فستنفق بسخاء و سرور, و في النهاية أقول :
" عندما نعيش لله , و ننفق في سبيل الله, و يكون هدفنا عائلات يرضى الله عنها, حينها ستمحى أمامنا كل العقبات التي قد تطحن بيوتا أخرى.
منقوووووووووووول