بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
طريق السعاده (كتاب أ.د عبد الحي ) نقلته لكم ..
طريق السعادة
التوبة الى الله تعالى
إعداد
أ . د / عبد الحي الفرماوي
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
بجامعة الأزهر
قال تعالى :
{وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}
[النور : 31]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل , حتى تطلع الشمس من مغربها)
[رواه مسلم]
تقديم
[قرائى الأعزاء ..!!
خبروني بربكم ..!!
هل يوجد في هذا العالم من لم يذنب .. ؟
سواء في : حق ربه تعالى , أو في حق أمته , أو في حق مجتمعه , أو في حق أهله , أو في حق نفسه ..!!
أعتقد .. أن الجواب الصادق هو : لا .. وألف لا .
بل إن هذا الشخص : لن يوجد أبدا .
إذا مرضنا نوينا كل صالحة فإن شفينا فمنا الزيغ والزلل
نرجو الإله إذا خفنا .. ونسخطه إذا أمنا .. فما يزكو لنا عمل (أ)
وفي الحديث الشريف : عن أنس – رضى الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)(ب)
ويروي عن الحسن : إنه لما تاب الله عز وجل على آدم عليه السلام , هنأته الملائكة , وهبط عليه جبريل وميكائيل عليهما السلام , فقال لا : يا آدم قرت عينك بتوبة الله عليك ؟ فقال آدم عليه السلام : يا جبريل ..! فإن كان بعد هذه التوبة سؤال, فأين مقامي ؟ فأوحى الله إليه : يا آدم .. ورثت ذويك التعب والنصب , وورثتهم التوبة , فمن دعاني منهم لبيته كما لبيتك , ومن سألني المغفرة , لم أبخل عليه لأني قريب مجيب يا آدم , وأحشر التائبين من القبور مستبشرين ضاحكين , ودعاؤهم مستجاب .(جـ)
وكان قتادة – رضى الله عنه – يقول : القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم , أما داؤكم : فالذنوب , وأما دواؤكم : فالاستغفار .
وعلى هذا : فكل بني آدم خطاء , والخطأ مركب فينا , وهو داؤنا , ولا علاج لبني آدم من هذا الداء إلا بالتوبة .
أنام على سهو وتبكي الحمائم وليس لها جرم ومني الجرائم
كذبت لعمرو الله لو كنت عاقلا لما سبقتني بالبكاء الحمائم (د)
إذا :
لابد من التوبة , بل لابد من المداومة على التوبة .
تسلحا بها في وجه الخطأ الناشئ عن ضعف طبيعتنا البشرية .
ومسحا بها – كذلك – لذنوب النفس الأمارة بالسوء.
وهروبا بها من النار , فإن من هُرِبَ من الذنوب , هرب به من النار (هـ).
وسلوكا لطريق السعادة والفلاح في الدنيا وفي الآخرة .
* * *
[/color]
معنى التوبة
وأصل التوبة في اللغة : هو الرجوع , يقال : تاب وثاب , وأناب وآب , والكل بمعنى : رجع .
ومعناها في الاصطلاح الشرعى : الرجوع عن الذنب , يقال : تاب إلى الله يتوب توبا وتوبة ومتابا , أى : ورجع عن المعصية إلى الطاعة (1).
وعلى هذا :
فهي بالمعنى اللغوى : تكون من الله تعالى , وتكون من الإنسان .
أما بالمعنى الاصطلاحى : فلا تكون إلا من الإنسان .
فتكون من الله سبحانه وتعالى : إذا عاد على عبده بالصفح والغفران .
يقول عز من قائل : {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه }[المائدة : 39]
أى : فإن الله يتجاوز عنه .
وهى من الإنسان : "ترك الذنب على أجمل الوجوه , وهو أبلغ وجوه الاعتذار , فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه :
- إما أن يقول المعتذر : لم أفعل .
- أو يقول : فعلت لأجل كذا .
- أو يقول : فعلت وأسأت , وقد أقلعت , ولن أعود .
وقد وردت مادة التوبة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية كثيرا (2).
وهي حيثما وردت فيهما : تدور حول هذين المعنيين .
***
هيا بنا للتوبة فورا
وذلك : بالإقلاع عن الذنب , وترك العود إليه وتصحيح الخطأ , وعدم
التمادي فيه ؛ لأن هذا من الأمور الواجبة على الفور – دون تأخير أو تكاسل – عقب اقتراف الذنب أو مباشرة المعصية أو حدوث التقصير أو الخطأ بصفة عامة .
حيث تظاهرت وتوافرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على هذا الوجوب .
فقد قال سبحانه وتعالى : {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}[النور : 31] .
أى توبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو أو تقصير في أداء حقوق الله تعالى أو حقوق غيره سبحانه , فلا تتركوا التوبة في كل حال (3) .
ويقول الله سبحانه وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}[التحريم : 8]
فقد أمرهم سبحانه وتعالى بالتوبة – كما يقول الخطيب الشربيني (4) – وهى فرض على الأعيان (5) في كل الأحوال وفى كل الأزمان (6).
ولقول النبى صلى الله عليه وسلم : بصيغة الأمر الواجب النفاذ فورا : (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة )(7)
قال لقمان الحكيم لابنه : "يا بنى .. لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة "(8).
يا عبد كم لك من ذنب ومعصية إن كنت ناسيها فالله أحصاها
يا عبد لابد من ذنب تقوم له ووقفة منك تدمي الكف ذكراها
إذا عرضت على نفسى تذكرها وساء ظني .. قلت : استغفر الله (9)
* ويلاحظ أن التوبة على ثلاث درجات (10) :
أولها : التوبة .
وأوسطها : الإنابة .
وآخرها : الأوبة .
فكل من تاب .. لخوف العقوبة فهو صاحب توبة
وكل من تاب .. طمعا في ثواب فهو صاحب إنابة
وكل من تاب .. مراعاة للأمر , لا للرغبة في الثواب , أو الرهبة من العقاب : فهو صاحب أوبة .
ويقال كذلك :
التوبة : صفة المؤمنين , قال تعالى {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}[النور : 31]
والإنابة : صفة الأولياء والمقربين , قال تعالى {وجاء بقلب منيب}[ق :33].
والأوبة : صفة الأنبياء والمرسلين قال تعالى : {نعم العبد إنه أواب }[ص : 30 ,40]
***
التوبة باب مفتوح
لما وعد الله تعالى بقبول التوبة في قوله تعالى :
{وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}[الشورى : 25]
وكذلك : لما فتح سبحانه وتعالى باب الرجاء في عفوه ورحمته بقوله الكريم :
{يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}[الزمر : 53]
أقول : لما كان هذا الوعد الدائم .. وهذا الرجاء الذي لا يغلق بابه !!
كانت التوبة بابا مفتوحا .
نعم ..
(أ) مفتوح لغفران كل الذنوب :
أولا : بالنسبة للشرك بالله تعالى :
قال بعض أهل العلم : كل من اجترم جرما , فإلى الله أمره في عذابه أو العفو عنه , إلا أن يكون جرمه شركا بالله وكفرا , فإنه – حينئذ – ممن حتم عليه أنه من أهل النار إذا مات على شركه (11) .
حيث يقول سبحانه وتعالى : {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا}[النساء : 116].
وأما من تاب عن شركه وآمن قبل موته : فالله سبحانه وتعالى يقبل منه توبته , ويغفر له شركه ؛ حيث يقول سبحانه : {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}[طه : 82]
ويقول عز من قائل عند وصفه لعباد الرحمن : {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}[الفرقان : 68-70]
هذا عن الشرك – والعياذ منه – بالله تعالى .
ثانيا : ما سواه من الذنوب :
باب التوبة – كذلك لغفرانها – صغرت أو كبرت , قلت أو كثرت – مفتوح .
عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا , ثم خرج يسأل , فأتى راهبا فسأله , فقال له : هل من توبة ؟ قال : لا , فقتله , فجعل يسأل , فقال له رجل : ائت قرية كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم , ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق فأدركه الموت , فناء بصدره نحوها , فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب , فأوحى الله إلى هذه أن تقربى وأوحى إلى هذه أن تباعدى , وقال : قيسوا ما بينهما فوجد إلى هذه أقرب بشبر , فغفر له ) (12)
وعن أبى هريرة : عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : (لو أخطاتم حتى تبلغ خطاياكم السماء , ثم تبتم , لتاب عليكم)(13)
ويروى : أن رجلا سأل عبد الله بن مسعود عن ذنب ألم به , هل له من توبة ؟
فأعرض عنه ابن مسعود .
فقال له : إن للجنة ثمانية أبواب , كلها تفتح وتغلق إلا باب التوبة , فإنه عليه ملكا موكلا به لا يغلق , فاعمل ولا تيأس " (14)
ويروي – كذلك – أنه كان في بني إسرائيل شاب , عبد الله عشرين سنة , ثم عصاه عشرين سنة , ثم نظر في المرآة , فوجد الشيب في لحيته , فساءه ذلك ..
فقال : إلهى .. أطعتك عشرين سنة ثم عصيتك عشرين سنة , فإن رجعت إليك أتقبلني ...؟
فسمع قائلا يقول : ولا يرى شخصا – أحببتنا فأحببناك , وتركتنا فتركناك , وعصيتنا فأمهلناك وإن رجعت إلينا قبلناك "(15)
وفى الأثر : يقول الله عز وجل "ويح ابن آدم ..
يذنب الذنب .. ثم يستغفرني فأغفر له .
ثم يذنب الذنب فيستغفرني فأغفر له .
لا هو يترك الذنب من مخافتي , ولا ييأس من مغفرتي ..!!
أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له (16)"
(ب) مفتوح لجميع الناس , حتى تطلع الشمس من مغربها .
ولأنه كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما روى عن أنس : (كل بنى آدم خطاء ) .
كان من رحمة الله تعالى التى وسعت كل شيء أن يكون باب التوبة مفتوحا لكل بنى آدم , كافرهم ومؤمنهم عاصيهم ومطيعهم , يعبرون منه تخلصا من أدران ضعفهم وأخطاء بشريتهم ..!!
ليعودوا بعد ولوجه , والتطهر في محرابه – وقد نفضوا أوزارهم التى كانوا يحملونها على ظهورهم ويكبلون بقيودها أنفسهم – ليعودوا وقد اكتسوا بحلل الثقة بأنفسهم , وأقبلوا ..
على عباداتهم بروح طاهرة قوية وثابة ..
وعلى ذويهم ومجتمعاتهم بروح المحبة والود والصفاء والتواصل البناء .
ويقول تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}[طه :82].
وفي الحديث : عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل : ليتوب مسئ النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )(17).
وعن أبى هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه )(18)
(جـ) مفتوح للإنسان طول حياته ما لم يغرغر .
وهذا شيء طبيعي ومنطقي حتى تكون التوبة اختيارية لا اضطرارية , توبة قوى على نفسه , لا ضعيف أمامه نهايته , توبة تائب , لا فعل يائس .
ولذا .. يقول سبحانه وتعال : {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما }[النساء : 17 , 18]
نعم .. هو باب لا يغلق أمامه إلا إذا حضرته الوفاة , حينئذ يغلق فلا يستطيع العبد العبور منه , واستغفار ربه .
أين كان ؟
ولم لم يتب ؟
حيث كانت الفرص سانحة له قبل ذلك والظروف مهيئة , وكانت قدرته على فعل المعصية كقدرته على التوبة , واختياره لهذه كاختياره لتلك ..!!
لكنه غفل وتغافل حينذاك وأعرض عن التوبة وامتنع عن التصحيح لأخطائه , والتصالح مع الله تعالى .
أما الآن ..!!
وقد تبدل الوقت , وأصبح الحال غير الحال , فالله تعالى يقول :
{وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما}[النساء : 18]
اتخذ طاعة الإله سبيلا تجد الفوز بالجنان وتنجو
واترك الإثم والفواحش طرا يؤتك الله ما تروم وترجو (19)
لماذا ندب الله البشر للتوبة ؟
ولقد ندب الله الناس للتوبة – وحثهم عليها – طويلا وكثيرا .
ففي القرآن الكريم ..
يقول نوح عليه السلام لقومه :{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح : 10-12]
ويقول هود عليه السلام لقومه : { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }[هود : 52]
ويقول صالح عليه السلام لقومه : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }[هود :61]
ويقول شعيب عليه السلام لقومه :{ وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ * وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }[هود : 89 ,90]
ويقول تعالى عن النصارى :{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[المائدة : 73, 74]
ويقول تعالى لمشركى مكة على لسان النبى صلى الله عليه وسلم :{ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }[هود : 3]
ويقول تعالى :{ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[النور : 31].
وللمؤمنين كذلك :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[التحريم : 8]
بالإضافة إلى أن الله سبحانه وتعالى قد وصف نفسه {بالتواب} كثيرا في القرآن الكريم (20)
وفي الحديث : عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(قال الله عز وجل : أنا عند ظن عبدى بى , وأنا معه حيث ذكرنى , والله !!
لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة .. ومن تقرب إلى شبرا : تقربت إليه ذراعا , ومن تقرب إلى ذراعا : تقربت إليه باعا , وقال الله عز وجل : أنا عند ظن عبدى بى , وأنا معه حيث ذكرنى , والله !!
لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة .. ومن تقرب إلى شبرا : تقربت إليه ذراعا , ومن تقرب إلى ذراعا : تقربت إليه باعا , وإذا أقبل إلى يمشى : أقبلت إليه أهرول )(21)
وعن أبى سعيد وأبى هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن الله يمهل , حتى إذا ذهب ثلث الليل , نزل إلى السماء الدنيا فيقول : هل من مستغفر ؟ هل من تائب ؟ هل من سائل ؟ هل من داع ؟ حتى ينفجر الفجر )(22)
* بعد هذا البيان :
أعيد السؤال مرة أخرى فأقول : لماذا ندب الله البشر إلى التوبة على هذا النحو ؟
* وللجواب نقول :
كانت الدعوة للتوبة على هذا النحو المتكرر المستمر والمتوغل عبر الأزمنة السحيقة الماضية , وعلى هذا القدر من فرحة الله بها وهو الغني عنها وعنا – صادرة إليه من عبد أناب إليه ..
لصالح الإنسان من عدة وجوه :
الأول : التوبة سبب في الخير .. كل الخير {يرسل عليكم السماء مدرارا}[نوح :11]
نعم.. كل الخير{ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً }[نوح : 10-12]
أليس الله تعالى يقول : {وفي السماء رزقكم وما توعدون}[الذاريات :22]
الثاني : التوبة تزيد المرء قوة على قوته { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ }[هود : 52]
نعم .. حيث اعتذر إلى قوى قادر , فاكتسب رضاه ورضا القوى خير عون
للضعيف .
الثالث : التوبة طريق من طرق السعادة ؛ حيث إنها تساعد المرء على أن يحيا
حياة سعيدة { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }[هود :3] وذلك لأن التائب قد تخلص من ذنوبه , وأدران ضعفه , وطهر وجدانه , وأصبح بلا عقد .
الرابع : التوبة توصل الإنسان لرضوان الله تعالى , وفى رضوان الله الفلاح
{لعلكم تفلحون}.
ومن الفلاح , ومن الرضوان أن { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }[التحريم :8]
يقول ابن الأعرابى – ت 341هـ "جعل الله تعالى رحمته .. سببا للتوبة , وجعل التوبة .. سببا للمغفرة والقرب منه "(23).
الخامس : التوبة تحقق في العبد .. عبوديته لله سبحانه وتعالى , وطاعته , وإذعانه , وإنابته إليه , وهو أسمى ما يطمع إليه الإنسان { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات :56]
السادس : أنها تجعله من الذين ..
يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا (الله أكبر) في شوق وفي جذل
أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم : ربنا جئناك طائعة نفوسنا وعصينا خادع الأمل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهم لعب عن الصلاة ولا أكذبة الكسل (24)
السابع : التوبة تفصح عن رغبة صاحبها في اعترافه بالتقصير أو الخطأ , وتنبئ عن استعداده لتصحيح وضعه المنحرف , و تعديل مساره الخاطئ , سواء أكان ذلك في امور الدين أم في امور الدنيا .
وهذا : مما يوصل إلى الكمال , أو يقارب منه , سواء أكان – أيضا – في أمور الدين أم في أمور الدنيا في حق الله تعالى , أو في حق أهله , أو عمله , أو غير ذلك .
إذ إن الشخص الصادق في توبته , لابد أن تتوافر فيه عناصر ثلاثة :
- الفهم
- والشجاعة
- والمثابرة
فالعنصر الأول : لكى يميز بين الصواب والخطأ في أموره من عبادات أو
معاملات مع الخلق أو مع الخالق سبحانه وتعالى : (الحلال بين والحرام بين )(25) .
والشجاعة : لكى يجد عنده القدرة على مواجهة نفسه بأخطائها .
وليس ذلك بالأمر الهين بل هو جهاد في سبيل الله , لا أقول إنه جهاد في ميدان
القتال , لكنه جهاد مع النفس الأمارة بالسوء في ميدان ترقية النفس الإنسانية والسمو بها عن الهبوط والانحدار ..
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (المجاهد : من جاهد نفسه)(26) .
واعتراف الإنسان بالخطأ أمر صعب وقاس جدا على النفس البشرية .
ولذا يقولون : "الاعتراف بالخطأ فضيلة "
أما هو عندى شخصيا : فقط نصف فضيلة , حيث إن النصف الآخر لا يكون إلا
بتصحيح هذا الخطأ , إذ لا فائدة من الاعتراف بالخطأ مع الاستمرار فيه .
ولذا : لا تتحقق توبة العبد إلا بإنابته إلى الله تعالى , وكفه عن معاصيه ,
ورغبته الصادقة وعزيمته الأكيدة في عدم الرجوع إلى مما يتوب منه ويبتعد عنه.
أما العنصر الثاني وهو المثابرة :
فلولاه : لما تحقق للتوبة من نتيجة , حيث إن الشخص غالبا لا تنقطع رغبته فيما يتوب عنه بمجرد امتناعه عن فعله , بل ربما عاوده الحنين وصرفته الرغبة بحكم بشريته مرة أخرى إلى العود إليه , وهنا : لابد للإنسان من مقاومة نفسه وهواه دائما .
يقول الإمام الغزالى – رحمه الله – (27)
"خلق الله الخلق على أقسام ثلاثة :
خلق الملائكة .. وركب فيها العقل , ولم يركب فيها الشهوة .
وخلق الحيوان .. وركب فيه الشهوة , ولم يركب فيه العقل .
وخلق الإنسان .. وركب فيه العقل والشهوة معا .
فمن غلبت شهوته على عقله : فالحيوان خير منه .
ومن غلب عقله على شهوته .. فهو خير من الملائكة .
ولن يكون الإنسان خيرا من الملائكة بل حتى إنسانا إلا بمثابرته في البعد عن المعاصى ومراقبته لله تعالى في كل أحواله .. وأوقاته " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "(28)
أقول :
والشخص الذى تتوافر فيه هذه العناصر الثلاثة : الفهم والشجاعة والمثابرة , حال – وبعد – توبته , لابد أن يحظى برضوان الله تعالى :
{ فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ }[القصص :67]
{ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }[الفرقان :70]
{ إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً }[مريم :60]
ولابد كذلك : أن ينجح في كل مقاصده وفي كل أعماله .
ذلك أنه ما إن يأتى أمرا من الأمور , حتى يدرك – ببصيرته بمراقبته لله تعالى وخوفه منه – صوابه من خطأه فيه .
فإن كان على صواب : استمر على ماهو عليه .
وإن كان غير ذلك : وجد في نفسه الشجاعة للاعتراف بخطأه أمام خالقه أو أمام نفسه أو أمام الاخرين .
ووجد نفسه كذلك : قادرا على تصحيح فهمه أو فعله هذا .
وبالمثابرة على عدم الوقوع بالرجوع لهذا الخطأ مع الاستمرار في الخط السليم : يتحقق النجاح التام .
وشخص على هذا النحو : لهو شخص قوى , يسهل عليه الانتصار على نفسه وتحكمه فيها ودحره لأهوائها .
ومن ملك زمام نفسه : سهل عليه قيادة غيره وسهل عليه كذلك الارتقاء لفضائل الأخلاق , والتحلى بها , والبعد عن الرذائل , التخلى عن نقائصها .
وبالتالى :
فإن مجتمعا يتوافر في أفراده :
- صدق التوبة .
- وشجاعة الاعتراف بالخطأ , والقدرة على تصحيحه .
- والمثابرة على ذلك .
سواء أكانوا حاكمين أم محكومين , وسواء أكان هذا بين المرء ونفسه أم بين المرء وزوجه أم بين المرء ورؤسائه أو مرؤسيه ..!!
لهو مجتمع ناهض قوى , قادر على أن يشيع بين أفراده الحرية والرخاء والأمن
والسلام , ومهيأ للتمكن من حسن عبادة الله تعالى , يستحق أن يكون خليفة على هذه الأرض كما أن الفرد فيه :
أبدا يكون مع التقاة مع الدعاة العاملين
الناشرين لواء أحمد عاليا في العالمين
المنصفين المؤثرين على النفوس الآخرين (29)
ومن هنا :
كان اهتمام المولى سبحانه وتعالى بالتوبة , ودعوته عباده إليها وهو سبحانه وتعالى الغني عنهم وعنها .
ومن هنا كذلك :
يمكن لنا أن نفهم الحديث الشريف (والذى نفسى بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم )(30)
ومن هنا ثالثا :
يمكن لنا أن ندرك سر فرحة الخالق عز وجل بتوبة عبده , على ما هو ثابت في صحيح الحديث الذى يرويه الإمام مسلم عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (قال الله عز وجل : أنا عند ظن عبدي بي ..!!
وأنا معه حيث يذكرني .
والله ..!
لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة .
ومن تقرب إلى شبرا : تقربت إليه ذراعا .
ومن تقرب إلى ذراعا : تقربت إليه باعا .
وإذا أقبل إلى يمشى : أقبلت إليه أهرول )(31)
وأخيرا : ندرك السر فيما أوحاه الله إلى داود عليه السلام حينما قال سبحانه وتعالى له :
(يا داود .. ! لو يعلم المدبرون عني .. كيف انتظاري لهم , ورفقي بهم , وشوقي إلى ترك معاصيهم ؟ لماتوا شوقا إلى , وتقطعت أوصالهم من محبتي .
يا داود ..! هذه إرادتي في المدبرين عني , فكيف إرادتي بالمقبلين على ..؟)(32)
كيفية التوبة
ومادام الأمر على هذا النحو الذى ظهر معه .. ضرورة التوبة لمجتمع المسلمين , بل ضرورتها للإنسان حفاظا على إنسانيته بل ضرورتها للوصول به إلى سعادته .
كان لابد من : بيان كيفية التوبة – في ختام هذا البحث – تعليما وإرشادا :
أولا : لنفسي .
وثانيا : لقرائي الكرام , الباحثين عن الله , السالكين طريق طاعته ,
وثالثا : وأملى في توفيق الله كبير لقرائي الكرام التائهين عن الله والضالين طريق طاعته .
ورابعا : بيانا لطريق من طرق السعادة في الدنيا والآخرة .
عن على بن أبى طالب – رضى الله عنه – انه سمع أعرابيا يقول :"اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك "فقال : يا هذا .. إن سرعة الاستغفار بالتوبة توبة الكذابين , قال الأعرابي : وما التوبة ؟ قال : يجمعها ستة أشياء : على الماضي من الذنوب : الندامة , وللفرائض الإعادة , ورد المظالم , واستحلال الخصوم , وأن تعزم على أن لا تعود , وأن تذيب نفسك في طاعة الله كما أذبتها في المعصية , وأن تذيقها مرارة الطاعة , كما أذقتها حلاوة المعاصى (33).
ويقول ذو النون المصرى : الاستغفار من غير إقلاع .. توبة الكاذبين .
ويقول – كذلك – بعض العلماء : توبة الكذابين .. على أطراف ألسنتهم (34).
ولذلك يقول أبو بكر – رضى الله عنه - : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (35)(ما من عبد يذنب ذنبا , فيحسن الطهور , ثم يقوم فيصلى ركعتين , ثم يستغفر الله إلا غفر له ) ثم قرأ هذه الآية :
{ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[آل عمران : 135]
* ومن هنا تكون التوبة بما يلي :
1- المعرفة التامة ببشاعة الذنب أو التقصير وقبحه – صغر أو كبر – في حق الخالق سبحانه وتعالى أو في حق المخلوق , ومعرفة مدى المجافاة بهذا الذنب لمرضاة الله سبحانه وتعالى أو الإيذاء لخلقه .
2- ترك هذا الذنب أو هذه الذنوب , فورا لقبحها الذي يدرك بصدق الإقبال على الله تعالى , ونور الرغبة في مرضاته عز وجل ورهبة الخشية من غضبه وعقابه إذا :
{ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ }[عبس : 33-41]
فلا يكون هذا الترك : لعجز عن اقترافه , أو لمخافة غير الله عز وجل .
3- العزيمة القوية الصادقة على ترك المعاصى والأخطاء , والبعد عنها والمثابرة الدائبة والدائمة في عدم العود إليها , والاستمرار في عدم الانصياع أو الالتفات إلى مغرياتها .
4- الندم القاتل , الصادق , على ما مضى من الذنوب , ندما يفوق في لوعته وألمه الندم على فوات حظ من حظوظ الدنيا ومن هنا كان الحديث الشريف (الندم توبة)(36)
يقول أبو العباس بن مسروق (ت 298هـ)(37):
شجرة المعرفة : تسقى بماء الفكرة
وشجرة الغفلة : تسقى بماء الجهل
وشجرة التوبة : تسقى بماء الندامة
وشجرة المحبة : تسقى بماء الموافقة
5- الخوف الشديد , والرهبة الثقيلة الواعية من غضب الله تعالى , بسبب ما فرط فى الذنوب .
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (قال رجل – لم يعمل حسنة قط – لأهله إذا مات فحرقوه , ثم أذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين , فلما مات : فعلوا ما أمرهم فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه , ثم قال : لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب .. وأنت أعلم , فغفر الله له )(38).
6- حسن الظن بالله تعالى , والثقة في قدرته على غفران ذنوب عباده , والأمل في مغفرته وعفوه , وعدم اليأس من رحمته وصفحه , فمن حديث لأبي ذر- رضى الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله تبارك وتعالى يقول : يا عبادي .. كلكم مذنب إلا من عافيت , فسلوني المغفرة فأغفر لكم , ومن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني بقدرتي غفرت له )(39)
7- المسارعة إلى حسن التطهر , ثم القيام بصلاة ركعتين لله تعالى , ثم يستغفر الله تعالى عقيبهما , وله أن يستغفر بأى صيغة يشاء .. المهم أن يكون صادقا في استغفاره .
وسيد الاستغفار : أن يقول (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت . أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )
ومن صيغ الاستغفار الحسنة : ما ورد عن أبى عبد الله الوراق وهي :
اللهم إني أسالك وأستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه , واستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي ثم لم أوف لك به وأستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطه غيرك وأستغفرك من كل نعمة أنعمت بها على فاستعنت بها على معصيتك (40)
8- ثم أخيرا : العمل الفورى على تدارك ما يمكن تداركه مما ترك , أو وقع في أدائه التقصير , كإعادة الفرائض , ورد المظالم , واستحلال الخصوم , كما يقول الإمام على – رضى الله عنه .
رزقني الله وإياكم :
التوبة النصوح والسعادة الدائمة في الدنيا والآخرة اللهم آمين
***
مراجع البحث
أولا : القرآن الكريم .
ثانيا : كتب الحديث :
1- صحيح البخاري
2- صحيح مسلم
3- سنن أبي داود
4- سنن الترمذي
5- سنن النسائي
6- سنن ابن ماجه
ثانيا : كتب التفسير.
1- تفسير الطبري
2- تفسير القرطبي
3- تفسير الجمل
4- تفسير الخطيب
رابعا : كتب منوعة :
1- إحياء علوم الدين
2- طبقات الشافعية
3- لسان العرب
4- المستطرف
5- الرقائق
[b][center]